بعد أكثر من شهرين من العمل الميداني واللقاءات والاعتصامات والتحركات الاحتجاجية، لا يزال نهر الليطاني يئنّ من التلوّث ويستصرخ الضمائر الحيّة في هذا الوطن، خصوصًا أنّ المعالجات المتبعة كانت دون المستوى المطلوب، طالما أنّه ليس هناك أساليب تردع الملوّثين، علمًا أنّ القضية ليست بجديدة، وقد مضى عليها 12 سنة.
أكثر من ذلك، فإنّ البلدات المحيطة بالنهر التي تسبّبت بتلوّثه من خلال تحويل مجاريها الصحية إليه ما زالت مستمرّة بارتكاب مجزرتها البيئية من دون أيّ رادع، وذلك على الرغم من تحرك القضاء، ومن الزيارات الميدانية التي تقوم بها الحملة الوطنية لإنقاذ نهر الليطاني برفقة الخبير البيئي ناجي قديح، الذي لم ينتهِ من إعداد تقريره حول أسباب التلوّث.
وكانت الحملة أشارت بالإصبع إلى تلك البلديات التي تساهم بالتلوث والى الدباغات ومعامل قصب السكر والمعاصر والمرامل وغيرها، كما ان عددا من المنتزهات تبين انها هي الاخرى تحول مجاريها الى النهر ما زاد الطين بلة، وهي التي اعتصمت على ضفاف الليطاني عند جسر الخردلي، معلنة انها تأثرت بالتلوث من خلال تراجع السياحة والعمل لديها بسبب عدم ارتياد المواطنين لمجراه.
وتحديا للواقع، باتت السباحة في نهر الليطاني وتحديدا قرب الخردلي تتم بواسطة الزوارق الصغيرة وهو ما يعرف برياضة الكانو-كاياك، فيما رفع اصحاب المتنزهات المنتشرة على ضفاف مجرى نهر الليطاني صرختهم للمرة الثانية، مطالبين بانقاذ ما تبقّى من الموسم السياحي.
ولفت المنسق العام للحملة الوطنية لانقاذ نهر الليطاني من التلوث حسن عز الدين، في حديث لـ"النشرة"، إلى أنّ الحملة تمكنت ومن خلال النيابة العامة البيئية وبمساعدة من سرية درك قوى الامن الداخلي في النبطية من اقفال كل المرامل، وأكد استمرار الحملة في عملها لاعادة الليطاني شريانا حيويا لمنطقة الجنوب وللوطن، مشيراً إلى أنّ نسبة التلوث في تراجع، "وسوف نعمل على أن تنتهي قريباً". وإذ اعتبر أنّ قضية نهر الليطاني باتت اليوم وطنية بامتياز، شدّد على أن الحملة لانقاذ النهر ليست سياسية وموجهة ضد احد، والهدف منها اعادة النهر الى صفائه.
من جهته، أوضح المسؤول الاعلامي للقاء الاندية والجمعيات في النبطية وعضو الحملة الوطنية يوسف نصار، في حديث لـ"النشرة"، أنّ العمل يتمّ على خطين متوازيين، الأول شعبي بلدي لاثارة المسألة ورفع الاحتجاجات وزيادة التحركات، والثاني رسمي من خلال القضاء والاتصال بالرسميين والتنسيق معهم لايجاد الحل، لافتا الى انه كان هناك اهمال متعمد من قبل الدولة والسلطة في معالجة القضية منذ 12 سنة، مطالبا بالتشهير بالملوثين ورفع الغطاء عنهم وتسميتهم، ملاحظا ان رصد 880 مليون دولار لتنظيفه رقم مبالغ فيه، "لانه عندما نجبر الملوثين على وقف تلويثهم للنهر فهو ينظف ويجدد نفسه بنفسه"، على حدّ تعبيره.
ومتابعة للموضوع، تشكّلت في اتحاد بلديات الشقيف لجنة خاصة بمتابعة قضية التلوث في نهر الليطاني، وهي تضمّ رئيس الاتحاد الدكتور محمد جميل جابر، ونائب رئيس الاتحاد محمد عاصي، والاعضاء من رؤساء واعضاء البلديات القريبة من النهر وهم وسيم اسماعيل، أحمد ناصر، فواز قاطبي، سعد الله معتوق، كمال أبو زيد وفؤاد ياسين.
وفي حديث لـ"النشرة"، أوضح الدكتور جابر أنّ هذه اللجنة اتخذت سلسلة من القرارات، على الشكل الآتي:
أولاً – الاتصال بمديرية مصلحة الليطاني.
ثانياً – التواصل مع رؤساء الإتحادات والبلديات المعنية.
ثالثاً - التواصل مع النواب وخاصة نواب المنطقة بالاضافة الى النواب المعنيين من لجنة البيئة وغيرها.
رابعاً - دعوة المواطنين لإرتياد الحدائق الملاصقة والاستراحات للتنزه والاستفادة من هوائه وخضاره دون السباحة.
خامساً - اعتبار جلسات اللجنة مفتوحة حتى معالجة الموضوع.
وطالب الناشط البيئي حسين سويدان بدوره بمعاقبة البلديات التي حولت مجاريها الصحية الى النهر وحرمتنا نعمة التنزه والسباحة فيه، داعياً كذلك إلى اجبار الملوثين على دفع التعويضات للمتضررين، ومشدّداً على ضرورة تسمية كل هؤلاء الذين ارتكبوا مجزرة بيئية بحق الليطاني والوطن.
وفي حديث لـ"النشرة"، شرح عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب علي فياض أنّ نهر الليطاني يعاني من ثلاث مشاكل، ومنها مشكلة القرعون التي اعلن موتها سريريا، وفي شهر تموز تحول نهر الليطاني الى مجرى أسن من المجارير الملوثة، وأشار إلى أنّ "كل مجرى نهر الليطاني فيه ترسبات لكميات كبيرة من الطمي تغطي المجرى وتهدد النهر تهديداً بيئياً جديًا وتقتل المساحات الخضراء على جانبه وهي قضت على الحياة النهرية".
وفيما لفت فياض إلى أنّ المجارير المفتوحة من بعض البلدات والمجارير من كل المنتزهات على نهر الليطاني تتسبب بهذا التلوث، قال: "لقد قدمنا الدماء في سبيل حرية الليطاني فلا يجوز ان نقتله بارادتنا على المستوى البيئي والجمالي والمدني والتنموي"، وأضاف: "لو ان الوزارات المعنية كانت تقوم بدورها لما وصلنا الى ما وصلنا اليه من فوضى وموت بيئي، ونحن نحث الوزارات على القيام بدورها تجاه الليطاني لنضع حدا لحالة التدهور البيئي التي يمر بها نهر الليطاني وهو شريان حياة للجنوب وللوطن".
هو شريان حياة للجنوب وللوطن، نعم، ولكنّ قضيته المفترض أنّها وطنية تعني الجميع لا تزال تراوح مكانها، من دون إجراءات عملية ورادعة جدية، فإلى متى سيستمرّ هذا التقاعس؟